أجرت اللقاء: جودي أورينغر
ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي
أجرت الحوار مجلة (رامبراتس) شتاء1970
عُرفت أناييس نن عالميا بعد نشر وترجمة اليوميات إلى لغات عالمية عدة، كما اشتهرت في مستهل الأربعينيات بكتابها “دلتا فينوس”، وهو كتاب نصوص إيروتيكية كتبتها من أجل كسب سريع للمال، لكنها لم تتخلّ عن براعتها الفنية وشعرية لغتها وخصوصية رؤيتها للعالم.
ولدت أناييس نن في ضاحية “نويي” الباريسية سنة 1903. تنقلت خلال حياتها بين كوبا وفرنسا وأميركا، ثم استقرت في العقود الثلاثة الأخيرة من حياتها في أميركا بعد أن أمضت بعضا من طفولتها وشبابها في هافانا. انتقلت إلى باريس وعاشت حياة استثنائية حفلت بالأحداث وغزارة الإنتاج وتنوع الأعمال التي مارستها الكاتبة، قبل أن تنطلق شهرتها وتعرف في الأوساط الثقافية الفرنسية. وعملت أناييس نن في مستهل شبابها عارضة للأزياء وموديلا للرسامين وراقصة تؤدي الرقصات الأسبانية ومساعدة للمحلل النفسي الشهير “اوتو رانك”. وكانت لا تزال كاتبة مبتدئة ومغمورة حين اقتحمت حياة باريس الثقافية والاجتماعية في عقد الثلاثينيات، والتقت هنري ميللر وأنطونين آرتو ولورنس داريل، وأسست مع رسام وشاعر منفي من البيرو اسمه غونزالو دار نشر صغيرة وكانت تنفق كل ما تحصل عليه من أموال لمساعدة أصدقائها المبدعين: هنري ميللر والآخرين الذين كانوا يعيشون في عوز دائم. قفز اسم أناييس نن إلى قائمة أعلى المبيعات في الولايات المتحدة وبريطانيا بعد وفاتها بأشهر قليلة سنة 1977عندما ظهرت مجلدات يومياتها المترجمة إلى عدد من اللغات، وحفلت السنوات العشر الأخيرة من عمرها بغزارة الإنتاج رغم معاناتها من مرض السرطان وخضوعها للعلاج الكيمياوي في مستشفيات نيويورك واليابان.
ومن أهم مؤلفاتها: دراسة نقدية عن (ديفد هربرت لورنس) وروايات (شتاء الخديعة) و(بيت المحرمات) وقصص (أطفال طائر القطرس) و (تحت الناقوس الزجاجي) وكتاب (مدن داخلية) ,(حديث امرأة) إضافة لمجلدات يومياتها السبعة والمجلدات الثلاثة الأولى ليومياتها المبكرة.
سجلت في يومياتك تفاصيل الحياة التي عشتها في باريس ونيويورك خلال الثلاثينيات والاربعينيات صحبة (هنري ميلر) و (انتونين آرتو) و(اوتو رانك) و(لورنس داريل) وسواهم من الكتاب والفنانين الذكور ماهي مشاعرك كونك امرأة وسط هذه الحلقة من الرجال؟
– كنت أول الأمر مفرطة الخجل ولم أكن أتكلم كثيرا في جلسات المقاهي، وكنت صديقة شخصية لهنري ميلر وآرتو والآخرين، كنا جميعنا كتّابا وكانوا يحترمونني لاعتبارين : كوني مبدعة وكوني امرأة وفي تلك الفترة كان هنري ميللر وآرتو فنانين مغمورين، ولم يكن أحد منا قد واتته الشهرة أو نال بعض النجاح، وكنا نعرف بعضنا حسب ونتحدث عن الفن والكتابة كما نتحدث الآن.
تقرأ النساء الأمريكيات يومياتك بشغف هائل ويجدن أنفسهن فيها ..لماذا؟
– أتلقى مابين 200 إلى 300 رسالة أسبوعيا من نساء قرأن اليوميات ومعظمها رسائل اعترافية متفاوتة المستويات، بعضهن لم يفهمن جيدا ماكنت أحاول قوله في يومياتي، غير أنهن تلمسن شيئا ما فيها، وأفترض إنني كنت قادرة على الفصل بين العواطف والأفكار، فمعظم النساء شعرن بما كنت أشعر به ولم ينجحن في الفصل مابين المشاعر والعواطف، إنه لأمر صعب الكتابة عن العواطف والأمور الحدسية، والغريب إن أولئك النسوة اتهمنني بأنني أخفيت بعضا من تفاصيل حياتي الخاصة، وعندما كتبت اليوميات كنت أعتقد أن القراء تواقون لمعرفة أشياء عن هنري ميللر وانطونين آرتو، ولم أ كن أتوقع أن يتماهوا بهذه القوة.
كتبتِ عددا من الروايات الجيدة، ترى ماجدوى أو ميزة كتابة اليوميات؟
– في اليوميات مارست الأمانة المطلقة وأظهرت نفسي في أبعد مدياتها العميقة، وفي اليوميات كنت أختبر فني وأدرب نفسي مما ساعدني على كتابة الرواية، كما عززت الروايات كتابة اليوميات التي سجلت فيها نشأتي وتطوري وازدهار أفكاري وعلاقاتي الأساسية مع الآخرين خطوة خطوة.
تبدين وكأن لديك رؤية رومانسية للعالم وتبحثين عن تحرر الفرد كما لو أنه يعيش أو أنها تعيش في عزلة أو كأن المرء يملك أمر وجوده؟
– كلا، ففي جميع الأحوال أنا أؤمن بالتحرر، التحرر النفسي والعاطفي للبشر، وكثيرا ما نقع في فخاخ ننصبها لأنفسنا، ثم نلقي باللوم على الأوضاع والظروف، والسبب هو إخفاقنا في الأداء !ينبغي لنا أن نكون مدركين لأنفسنا وأمناء معها، وعندها سنصبح مؤهلين للتعامل مع ذواتنا، لم أتحدث عن التحرر من نقطة معزولة، يخيل للبعض أن ممارسة الاستبطان مع أنفسنا يعني –في ما يعنيه – الانسحاب إلى داخل ذواتنا وعلى العكس تماما – إنه يعني التوغل في الحساسية الفريدة التي تخص المرء والغوص في البحث عن المثال الذي ينشده، وعندها سيكون قادرا على إقامة العلاقات مع الآخرين حين يكتشف أغوار ذاته. أرى أن التحرر –بالنتيجة- هو مسعى جماعي، ومؤكد أن بعض عجزنا وإحباطاتنا تتأتى من ظروف خارجة عنا، إنما علينا أن نتعامل أولا مع أنفسنا ثم نتصدى تاليا للعالم الخارجي.
أقدمت الكاتبة (كيت ميليت) في كتابها (الساسة الجنسية) على تعنيف هنري ميللر ونورمان ملر باعتبارهما خنزيرين شوفينيين جراء معاداتهما للمرأة …الخ ..هل تعتقدين ان هنري ميللر كاتب يعادي المرأة؟
– بداية، أنا اميز بين حياة هنري ميللر وعمله، ليس ثمة شك في انه يكتب عن النساء باعتبارهن موضوعا جنسيا في روايات، لكنه قدم الكثير لفكرة الجنس في الأدب لانه كتب عنها بحيوية وشغف وقوة ويخيل إلي أن النساء يبددن الكثير من طاقاتهن وهن يسعين لاصدار الأحكام ويقررن أي من الكتاب الذكور يحط من شأن النساء، والأفضل لهن برأيي- ان يصبحن مبدعات خلاقات ولا يلجأن إلى الهدم والتخريب.
ماشكل علاقتك بالنساء المتورطات في (حركة تحرير المرأة)؟
– لقد هاجمتني بعضهن لأنني كنت خارج الأفق السياسي، وهن لايدركن انني ومن خلال تحرري الشخصي ومنجزي الابداعي ساكون قادرة على تقديم نفسي كإمرأة حرة.
ماهي ردة فعلك إزاء الانفجار التجاري لموضوعة الجنس في التلفزة ؟ أتواجهينها بالغضب؟
– كلا، ولكني غاضبة منذ زمن طويل لاهمال موضوعة الجنس فكما تعلمين ورثنا في اميركا جرعة طهرانية هائلة من بريطانيا ومن الغريب ان يتزامن توقيت اندفاع الرجل الامريكي لمناقشة جنسانية المرأة في الوقت الذي تصبح النساء هجوميات في شن حربهن على الرجال، ان الرجال والنساء عندنا في وضع خطير جدا، ولدي إحساس بأن عدم احترام المرأة وتقديرها ناشيء عن كون الرجال ضحايا المنظومة ذاتها فالرجال يقهرون ويُضطهدون من قبل عملية التنافس التي يفرزها العالم المحيط بهم بكل عدوانيته المتطرفة، عالم الاعمال التنافسي- فيقومون بالتالي باضطهاد نسائهم في البيوت – يقهرون الكائنات الوحيدة القادرين على اضطهادها.. حقيقة الأمر ان للنساء دورا مزدوجا – تحرير انفسهن وممارسة الإغراء، أن يأسرن ازواجهن ويجتذبنهم من أجل معركة التحرر، من اجل تحريرهن بالقدر ذاته، ومن خلال العمل يمكنهما معا تحرير الذات الانسانية، انا أورط الرجال الذين يكونون معي دائما في مواقفي التحررية وبهذا نساهم في صنع حريتنا المشتركة.
يبدو لي انك تتحدثين بتحفظ عن الاستقطاب بين الرجال والنساء والذي تعارضه (النسويات) ممن يدعمن أحادية الجنس؟
– نعم انا اتحفظ على الاستقطاب – اي التناقض الكامل – اذا كانت هذه هي المفردة الصحيحة، ولكن ليس الاستقطاب بين الرجال والنساء إنما بين اي اثنين من البشر، أنا لا أقر التعامل مع الرجال والنساء على اساس محدودية كونهم ذكورا او إناثا، لقد كانت أمي تمتلك قدرا هائلا من الشجاعة والقوة البدنية ولم يكن يخيفها شيء.. ليس من سبب يدعو البشر الى التشبث بقوالب رثة وضعت لقولبة الشخصية الانسانية على اساس تقسيمها الى أنوثة وذكورة.
تحدثنا قبلا عن النساء الفنانات والكاتبات؟
– نعم، ولطالما احببت رؤية النساء يبدعن في مختلف الفنون، نساء يخرجن الافلام ونساء رسامات انه لامر ممتع حقا، إنما لابد من توخي الحذر فقد روضت النساء وجرى تكييفهن ليفكرن باسلوب رجالي منذ عهد بعيد، ولهذا تجهل كثير من النساء أنهن يكررن النموذج – الصورة التي رسمها وقررها الرجال لهن. ودعيني هنا اسوق مثالا على تماهي النساء مع افكار الذكور عنهن – قامت الكاتبة والسينمائية (مارغريت دورا) بإعداد روايتي (جاسوس في بيت الحب) كسيناريو سينمائي، تظهر في كتابي شخصية (سابينا) في هيئة (دون جوان نسائي) وهي من اؤلئك النساء المرتبكات المضطربات لكن المتحررات، اظهرتها (مارغريت دورا) في الفيلم كإمراة عاهر، وهي لم تكن كذلك قط، كانت (سابينا) متحررة حسب مثلما يبدو أي رجل متحررا ولا يلومه احد على افعاله. التقيت (غرترود شتاين) مرة واحدة ولم تعجبني شخصيا لانها كانت تعمد إلى فرض شخصيتها وسيطرتها على جميع من حولها ,اما (زيلدا) فإنها عاشت قبل عقد من وجودي في باريس ولم يتسن لي التعرف اليها.
سيمون دي بوفوار كاتبة ذات شعبية واسعة في بلادنا ماهو انطباعك عن نتاجها؟
– انا احترم (دو بوفوار) كفنانة مبدعة والى حد ما نجحت في تجاوز القيود التي تفرضها العقليات الضيقة، لكني وجدت كتابها (الجنس الاخر) عتيق الطراز، وبشكل او بآخر أجد ان(دوبوفوار) ظل لسارتر، ولأجل ان لاتخالفه في وجوديته اراها وكأنها تشابهه في نكران عواطفها وقوة حدسها فتبدو نساءها زائفات في رواياتها وغير حقيقيات بالنسبة لي، وأجد سيرتها الذاتية اكثر صدقا وأصالة من رواياتها.
ألم تندمي لانك لم تكوني أماً؟
– مطلقا، لقد اجهضت مرة ثم اكتشفت انني غير مؤهلة جسديا للانجاب، لم تلهف للآمر مطلقا، فانا اخلق الكتب واوجدها، وامارس امومتي مع اشخاص اعرفهم، مؤكد انني لاافكر بضروروة ان تنجب جميع النساء أطفالا، او ان من لاتنجب هي امرأة ناقصة، يجب ان لاتشعر النساء بانهم مرغمات على قبول المحددات البالية عما يجب ان تكون عليه المرأة.
ربما ان احد اسباب تطور حركة المرا’ في اميركا هو هذه الفكرة الامريكية الاستحواذية المتسلطة حول قوة الرجولة والعدوانية في مجال الاعمال والسياسة والتي تترحل بالتالي الى العلاقات الشخصية؟
– نعم، الرجال هنا يخشون الافصاح عن عواطفهم ويخافون قبول فكرة التصريح عن ذواتهم، هذا عيبنا جميعا، الرجال والنساء والاطفال، كان الرجال الامريكيون دوما يخشون اظهار الجانب الحسي والعاطفي لديهم، مثل هذا الخوف لايوجد لدى الرجل الاوروبي فالرجل الفرنسي على سبيل المثال يمتلك احساسا عاليا بالجماليات والفن ويعبر عن ذلك بشغف ودونما خوف.
ماذا عن المرأة في اميركا هل هي مقموعة قياسا الى أختها الاوروبية ؟
– نعم، والغريب في الآمر أن النساء الاوروبيات يجدن الأمريكية متحررة وأكثر استقلالية منهن.!
بالتأكيد نحن نتحدث عن نساء الطبقات الوسطى من الجنس الابيض واللواتي يشعرن بأن حيواتهن خاوية من أي معنى، ماذا عن النساء السوداوات ونساء الهنود الحمر؟
– مؤكد انني مع تحرر جميع النساء واشعر ان دوري محصور في فئة النساء المبدعات اللاتي يجب ان يصبحن رمزا لبقية النساء مهما اختلفت طبقتهن، او لونهن، فعندما يعرفن أنني انجزت قدرا حقيقيا ومحترما من الابداع يمكنهن ان يتجرأن وتستم ارواحهن الشجاعة من معرفة امرأة اخرى حققت وجودها بالتعبير الصادق عن ذاتها.
الكاتب والمحَرَّم – مع ناصر الظفيري
رهائن في عقل زوكربرغ / زادي سميث
الكاتب والمحَرَّم – مع راجي بطحيش