ما معنى إحياء ذكرى وفاة هدى شعراوي الذي يتقاطع مع زمن التحولات العربية المباغتة؟ تبدو العودة الى الفترة التي عايشتها رائدة التيار النسوي العربي، شاقةً ومقلقةً إذا أجرينا مقارنة بين عصرها الذي شهد حراكاً نسوياً داخل مصر وخارجها، وبين أوضاع المرأة العربية في القرن الحادي والعشرين.
مبعث القلق يعود الى العودة الكثيفة للحجاب في العالم العربي منذ السبعينيات. النقاب الذي نزعته شعراوي بعد عودتها من روما يحضر اليوم بكثافة. ما يدفعنا إلى التساؤل ـــ في ضوء تلك الظواهر المستحدثة ـــ عن امكانية خروج المرأة العربية نهائيّاً من عصر الحريم، هي التي احتلّت الفضاء العام، وأماكن العمل ومراكز التعليم والفضائيات… هي التي نزلت الى الشارع في الربيع العربي، مثل شعراوي وزميلاتها في مصر أيام الاحتلال الانكليزي… كيف يمكنها تجاوز ما تسمّيه فاطمة المرنيسي «الحجاب الرقمي»؟
حالما تذكر هدى شعراوي، يسطع اسمها كأول سافرة. كرّست قواها للثورة المصرية التي طالبت باستقلال مصر عن الحكم الانكليزي. وقبل أن تخلع نقابها، استهلت نضالها السياسي بالنزول الى الشارع منقبةً بعد احتجاز سعد زغلول ورفاقه. لم يكن نزع النقاب جديداً. كانت ترفعه كلما سافرت الى أوروبا لحضور مؤتمر نسائي. لكنّها ذات مرّة أبقته مرفوعاً بعد عودتها. كانت تلك رسالة سياسيّة واجتماعيّة، تعلن ولادة عالم جديد.
الارستقراطية السافرة، رأت في النقاب أداة لاستعباد المرأة وتقزيم دورها الاجتماعي والسياسي. رأته أكبر عائق أمام مشاركة النساء في الحياة الفاعلة. دشنت الجيل الأول المؤسس للنسوية العربية الذي تابع مسيرته مع الرائدات النسويات اللواتي تعاقبن جيلاً بعد جيل ومن بينهن: نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي، وآمنة ودود، وألفة يوسف، وآمال قرامي، ورجاء بن سلامة…
في المرحلة التي عاصرتها، برزت أقلام نسوية مهمة في الصحافة والأدب والتاريخ، مثل نبوية موسى (أول امرأة تحصل على شهادة البكالوريا سنة 1907، وألفت كتاباً بعنوان «ثمرة الحياة في تعليم الفتاة»)، ودرية شفيق (لها الفضل في حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشح في دستور مصر عام 1956)… وتعدّ نظيرة زين الدين من أولى الكاتبات اللواتي قرأن التراث بعين نسوية في أطروحتها «السفور والحجاب» وعاصرت شعراوي التي شكرتها على كتابها قائلة: «إنه نداء حارّ لتحرير المرأة».
في 1923، أسست شعراوي جمعية «الاتحاد النسائي المصري» وضعت قانونه الأساسي. وبين 1924 و1926، رفع الاتحاد تقريرين الى رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ مطالباً بمنع تعدد الزوجات ورفع الظلم الذي يقع على المرأة بسبب «قانون الطاعة» ورفع سن الحضانة في حال افتراق الزوجين. وحضرت عشرات المؤتمرات المصرية والدولية. عملها النضالي، والسياسي والنسوي دفعها الى تأسيس مجلتين نسائيتين: واحدة بالعربية وأخرى بالفرنسية. كتبت مقالات في صحف عدة، وألّفت «عصر الحريم» الذي تروي فيه وضع المرأة المصرية بين 1880 و1924.
ولا بد من الاعتراف بأن زوجها علي شعراوي باشا، ساعدها في بلورة أفكارها السياسية خلال ثورة 1919 التي كان أحد قادتها. شاركت في قيادة تظاهرات السيدات عام 1919. الأجواء التي رافقت مسيرتها ساعدتها على نسج أفكارها التنويرية. كانت مصر تعيش آنذاك ذروة حراكها. المسألة لا تتعلق فقط بنزع الحجاب، بل إن صعود الاتجاه النسوي تزامن مع تفجّر الطروحات المطالبة بتحرير المرأة. ولعل قاسم أمين رسم معالم الانعطافات النسوية العربية التي سبقت الغرب. وأهمية هذه الحقبة أنها تقاطعت مع الارهاصات الفكرية المطالبة بالاستقلال والتحرر والمساواة.
بعد ستة عقود ونيف على رحيل شعراوي، ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ وهل استطاعت المناضلات العربيات خرق «الأبوية المستحدثة» كما يسمّيها هشام شرابي؟ والسؤال الأهم: لو كانت رائدة النسوية العربية على قيد الحياة في زمن الثورة المصرية، فماذا سيكون ردها على نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية في مصر؟ قد تكون التحولات التاريخية التي رافقت شعراوي أنضج من حقبة «الربيع العربي» على أهميتها. وهذه الردّة الدينية قد تكون موجة ارتدادية عابرة، لكن واقع العصر يملي على الحركات الإسلامية بوجهيها المعتدل والسلفي، أن تجري مراجعات جادة لخطابها حول المرأة… أما زال من الممكن، في الحياة السياسيّة الراهنة، التنظير لحقوق المرأة من خلال شعارات (ذكوريّة) ملتبسة.
الكاتب والمحَرَّم – مع ناصر الظفيري
رهائن في عقل زوكربرغ / زادي سميث
الكاتب والمحَرَّم – مع راجي بطحيش