في عمله الأحدث، “كتاب النوم” (دار الكرمة 2017، 136 صفحة) يشتغل الكاتب والقاص المصري هيثم الورداني (1972) على بحث أدبي لغوي يصعب تصنيفه تحت فئة معينة. يُقارب الورداني النوم من ثلاثة محاور مركزية: الهوية، السياسة، واللغة، ساعيًا للاقتراب بحذر من مفهوم النوم.
وبأسلوب يغلفه شيء من شفافية روحية يتنقل الكاتب بسلاسة بين العالمين الاجتماعي والنفسي، مُتتبِّعًا ومُتقصِّيًا موضوعه، مُستندًا إلى كتابات عدة فلاسفة ومفكرين مثل فالتر بنيامين لتفسير الواقع المعاش، من خلال زوايا رؤيته الخاصة دون أن يقدم في الوقت نفسه إجابات حاسمة لكل شيء.
يتلمس الورداني كل تلك الأفكار التي تتشكل في قلب الظلام المرافق لفعل النوم، راسمًا صورة تبرز تعقيداته بعيدًا عن اختزاله في الأحلام، أو الاكتفاء بوصمه بالسلبية أو الزيادة عن الحاجة.
“ما أن ننجذب نحو فجوة تدعى النوم، حتى يتوقف الزمن لوهلة، ونظن أننا انتقلنا إلى مكان آخر، لكننا ما إن ندخلها، نجد أنفسنا مرة أخرى في الغرفة التي ننام فيها، هذه المرة لا نكون كقوة مسيطرة على المكان، وإنما كشيء ضمن أشيائه”.
يبرز الورداني أفكاره وتحليلاته عن لحظة النوم بنفَس تأملي لافت. النوم، اللحظة التي نكون فيها غائبين عن الوعي، يرصدها على نحو مغاير، في فقرات قصيرة معنونة ذات لغة كثيفة ومركبة في أفكارها وصياغتها أيضًا، وكأنها تتماهى مع طبيعة النوم، وكونه شيئًا لا يُمكن الإمساك بكل تعقيداته:
“بلاط المنازل يتشقق لتخرج منه سيقان خضراء، والنوافذ تتحطم لتخرج الأغصان، الأسفلت يغور ليجري فوقه الماء، المباني تتضعضع لتصبح أعشاشا وأوكارا، الحوائط تتزحزح، والشوارع تتغير… نظل هكذا حتى يبزغ الصباح، فيلتئم البلاط، وتغور الأشجار، وتنهض المباني، وتعود الحوائط إلى مكانها، وتنبسط الطرقات وتجري فوقها السيارات، ويعود البشر، ويفر الموتى”.
“فساد الأمكنة”.. تصدعات الحكمة، واستفحال المأساة
“الحالة الحرجة للمدعو ك” – فخّ “اليوميات” بين الحيلة الشكلية والغاية البنيوية
“السيرتان”.. عن نزيف الأمكنة المنسية / محمود حسني