راجي بطحيش كاتب محرر وإعلامي وقاص فلسطيني من مواليد الناصرة عام 1970 يكتب المقالة الثقافية والاجتماعية ، القصة القصيرة والشعر. له العديد من المشاركات في الندوات والأمسيات الأدبية الفردية والجماعية في البلاد والعالم منها في القاهرة، باريس، إيطاليا، ألمانيا، رام الله، وغزة. قدم العديد من والورشات للكتابة الإبداعية للأطفال والشبيبة ويحاضر في موضوع “الأدب والسينما”.
في حوار صريح وذكي مع لغو يتناول راجي بطحيش بثقافة عالية وحس فلسفي مميز حرية الكلمة، والرقابة، والعلاقة بين الكتابة والمحرمات في الثقافة العربية. بشكل محدد يطرح بطحيش مفهومه الخاص بشأن المقدس والجدلي، ويتناول مسألة النوع/الجندر كمنطقة جدلية هامة تستحق النظر والنقاش والتحليل.
1- هل تعتقد أن الكتابة عن المحرمات ضرورية فعلاً؟
لا أعرف القصد بالمحرمات هنا وعلى الإطلاق، نحن ككتاب عرب نتوهم عبر خيالاتنا العروبية أن المحرمات لدينا هي واحدة ومتشابهة، وولكنني اتفاجأ كل مرة من جديد من شدة اختلاف المحرمات بين حي وحي وشارع وآخر في نفس المدينة، لا يمكنني أن أمسك كومة محرمات محددة بيدي وأكتب عنها ، أعتقد أن ما يجب القيام به هو إزاحة حدود الكتابة أكثر وتوسيعها، وأهم تلك الحدود هي حدود اللغة، فاللغة هي جسم المعرفة الأول والمادة الخام الأولية الأساسية التي يستخدمها الكاتب، يجب تحرير تلك اللغة ليس بطلب الإذن من المجتمع أو الحاكم بل التحرر من الداخل قبل كل شيء.
يتحجج الكتاب لدينا بضوابط المجتمع والدين والتقاليد ، المشكلة أن هؤلاء غير متحررين لغويا وبالتالي مفاهيميا من الداخل، أدباؤنا مؤدبون أكثر من اللزوم.
2- هل تفضل أن تكتب عن موضوع معين مثير للجدل؟
أنا عادة لا أكتب أي شيء إذا كان غير مثير للجدل، بمعنى إذا كان لا يصفع القراء بسؤال ما أو ينبش عن أمر مخف ما ، أحب النبش بما يحرج الناس …لا لزوم للكتابة إذا كانت غير مثيرة للجدل أي جدل وفي هذا السياق تستهويني دائما الكتابة الإباحية او البورنوغرافية التي تبدأ من حالة شبق ونهم جنسي خالص لتنتهي بمقاربة نفسية ما تحمل قدرا كبيرا من التعاسة البشرية.
3- هل تعتقد أن هناك مواضيع جدلية لا ينبغي التصدي لها، ويجب أن لا تكتب أو تعبر عنها؟
قد تنتظر مني جواب …لا..ولكنني سأخذلك ..وأنا هنا اتحدث عن نفسي فقط ولست مخول الحديث بإسم الاخرين أنا بصراحة لا احب الكتابة عن الأديان وضرورتها وتاريخها وما إلى ذلك..ليس من منطلق الخوف ..ببساطة الموضوع لا يهمني، لم اتعمق فيه كثيرا، لم اتبع الموضة ولم أخض في هوجة الكنعانيات التي شاعت في فلسطين في تسعينيات القرن الماضي، مع أنني اكتسبت لغتي العربية من الطقوس الكنسية واستفدت من تعريب صلوات الكنائس الكاثوليكية في المشرق ولكنني لم أخض في عمقها ..لم تهمني بدت لي ساذجة ومسالمة اكثر من اللزوم..لقد انشغلت منذ البداية في الكتابة عن الرغبة والجسد بمفهومهما الأوسع والأشمل.
4- هل تفكر في القارئ أو الجمهور عندما تكتب؟
انا مجنون بالقراء والجمهور وبالتالي فإنني لا أكتب لنفسي ولست ممن يحفظون نصوصهم في الجارور خوفا من ردود الفعل. هاجس القراء وأمور الأنا والشهرة والتميز هي التي تحركني ولا أخجل من ذلك ولا أشعر الأن بالحرج وأنا أبوح لك بذلك، منذ بداياتي في جيل 17 ربما لم أخف أي نص ولم أتلف أي كتابة، لقد نشرت كل ما كتبت إما في الصحافة او في مجموعاتي.
بالنسبة لعملية الكتابة نفسها، فعندما أكتب نصا جديدا أضع في مخيلتي قارئ ما ، هو مزيج من عدة أشخاص أعرفهم فعليا أو افتراضيا وبعد كل سطر أو فقرة أرصد ردود فعل هذا القارئ الوهمي والتي هي ليست ردود فعل فيزيائية حقيقية بالطبع بل انعكاس الجملة أو الفقرة على وجه القارئ..باختصار إنها عملية مركبة وغير مفهومة ضمنًا.
5- كيف توازن بين الواقعي والمجازي في كتاباتك؟
لا أوازن بينهما، بالنسبة لي هما أحيانا متداخلان جزئيا واحيانا تماما، أعيش منذ سنوات لوحدي ويكون تواصلي مع الأخرين عادة خارج البيت، أما البيت فهو المكان الذي يزول فيه بشكل شبه تام الحد ما بين الواقع والخيال، الحي والميت والواقعي والمجازي، ففي البيت تأخذ الحاجيات والعناصر المادية معان أخرى وربما مجازية ، الواني، الروائح والصور والعلاقة مع الغائبين..كل هذا يحدث في رأسي أنا لوحدي ولا أشارك فيه أحد وبالتالي ينعكس أيضا في كتاباتي الأخيرة، لا أذكر متى كانت آخر مرة كتبت فيها مقالة سياسية أو اجتماعية “عقلانية” …عادة ما يُطلب مني الكتابة كمساهمة في ملف أو كتاب سيصدر حول موضوع ما ، أحاول عدم فضح هذا التداخل قدر الإمكان وهي مهمة شاقة بما لا شك فيه.
6- هل تشعر بأنك تخون أفكارك أحيانا بسبب الكتابة غير المباشرة؟
ابدا لا..اكتب افكاري المباشرة عبر الفيسبوك وهي وسيلة مؤثرة وسريعة ونافذة على الرغم من تشكيك الكثيرين في البداية ، اشتاق احيانا للمقالة الأسبوعية ولكن في وضع منطقتنا المجنون، كيف لك أن تضمن ماذا سيحدث خلال الأسبوع؟ بات مقال الرأي الثقافي حتى سلعة بائتة..فالأزمات حاليا تثيرها ستاتوسات الفيسبوك وليست المقالات.
7- من حيث الأولوية في التأثير الثقافي، كيف تصنف الموضوعات الجدلية التالية: الدين، السياسة، المرأة /نوع الجنس؟
اعتقد أن مسألة النوع\الجندر هي الأهم حاليا لأنها تحمل في طياتها كافة الأمور الجدلية الأخرى. التحرر اجتماعيا وثقافيا لا يأتي دون تحطيم الثنائيات التي تحكمنا واهمها النوع أو الرجل : المرأة و السيد:العبد كافة المنظومات الدينية والسياسية وبالتالي العسكرية هي منظومات ذكورية، لا يمكن تفكيكها إلا من خلال إعادة إنتاج الأدوار الاجتماعية والعلاقات التراتبية بين الأنواع الجنسية وبالتالي تبعية الهامش أي هامش لمركز عبر تحويل الهامش مركز ذاته. الحركات الكويرية (خلافا للحركات المثلية النيو ليبرالية) تحمل هذه الروح ولكنها للأسف تقع أحيانا في براثن المركزية الأورو-أمريكية.
8- هل خضعت للنقد أو الإرهاب من قبل بسبب تناول الموضوعات المثيرة للجدل في أعمالك؟
ربما ..لا أعرف.. لم يحدث الأمر أمامي تحديدا، ربما عبر وسطاء أو عبر تعليقات بذيئة من قراء، تم محوها لاحقا من قبل إدارات المواقع. على أي حال قرائي المفترضين لا يعيشون حولي في محيطي اليومي لذا لست سهل المنال للمهددين على أشكالهم وأنواعهم. ولكن بما أننا تحدثنا عن المحرمات..فقد اصدرت انا وأصدقاء في عام 2007 ملصقا يسخر من بيع تذكرة الدخول لأمسية محمود درويش لأول مرة في حيفا بمبلغ ما ..وقد هددني أحد المنظمين الغيورين بالضرب إن أنا حضرت إلى الأمسية وإدخالي للمستشفى..أليس محمود درويش(الذي أعشق شعره) من المحرمات..
9 – هل يمكن للجدلي و المقدس أن يتعايشان في العالم العربي؟
أنا من الرومانسيين الذين عولوا على الربيع العربي، باعتقادي أن الربيع العربي لم يتحول لخريف ولا حتى لشتاء..الثورات لم تحدث لإزالة أنظمة قمعية ووضع أنظمة أقل قمعية مكانها..لا زلت أؤمن ان الثورة حدثت وإن ببطء في مستوى الوعي ولا يمكن بالتالي العودة للوراء أبدا، حيث لم يعد الجدلي جدليا كما كان قبل 2011 ولم يعد المقدس مقدسا كما كان قبل 2011، هنالك فوضى يتعايش فيها الجدلي والمقدس ، وهنالك من سيحاول انتهاك المقدس كل يوم وهناك من سيحاول قمعه..وهنالك مجتمعات مدنية ستحميه وفاشيين سيكفروه ليس فقط دينيا بل قومجيا أيضا وهناك من سيحاول من جديد ..وهكذا..
أجرى الحوار: أشرف الزغل
الكاتب والمحَرَّم – مع ناصر الظفيري
رهائن في عقل زوكربرغ / زادي سميث
الكاتب والمحَرَّم – مع لواء يازجي