– يبدو أنك مهتم بشكل أساسي بتجاوز الجهاز العقلي الواعي الذي يسعى إليه معظم الكُتّاب*
= لا أعرف أين يذهب التخييل الروائي عادة، لكنني وبقصدية عالية أمنح نفسي للمساحة التي تدعى أحلام. ماذا تعني الأحلام بالضبط؟ هي تجاور معين بين الكلمة والصورة. منذ فترة قريبة، قمت بعمل تجارب عديدة باستخدام قصاصات الصحف. أقرأ في الجريدة شيئا يذكرني بشيء كتبته من قبل. فأقص الصورة أو المقالة والصقها في كتاب القصاصات بجانب الكلمة التي لها علاقة. أو، أمشي في الشارع، وأشاهد مشهدا من كتابي، فالتقط صورة له والصقها في كتاب القصاصات. سأريك شيئا من ذلك. لاحظت أنني عندما أقوم بتجهيز صفحة من الكتاب، أحلم في الليل بأحداث تتعلق بالكلمة والصورة في تلك الصفحة، بكلمات أخرى، أنا مهتم بكيفية ترابط الصورة بالكلمة بعلاقات معقدة جدا جدا. أقوم ببعض التجارب فيما يتعلق بالسفر عبر الزمن، في رصد الإحداثيات، على سبيل المثال، ما هي الصورة التي التقطت في القطار، ما الذي كنت أفكر فيه في تلك اللحظة، ما الذي كنت أقرؤه أو أكتبه. أفعل كل ذلك حتى أرى كيف بامكاني موضعة نفسي في تلك النقطة الزمنية.
– في رواية “نوفا إكسبرس Nova Express”، تشير إلى أن الصمت هو حالة منشودة
= الصمت هو أكثر الحالات المنشودة. بمعنى ما، إستخدام الكلمات والصور بشكل خاص بإمكانه تحفيز الصمت. كتاب القصاصات والسفر عبر الزمن هما تمرينان لتوسيع الوعي وتعليمي أن أفكر بكتل من العلاقات بدلا من الكلمات. مؤخرا، قمت بدراسة الهيروغليفية المصرية والمايانية. كتل عظيمة من العلاقات يا رجل. هكذا! الكلمات كما نستعملها اليوم تقف عثرة في طريق الخبرة غير الجسدية. إنه الوقت المناسب لترك الجسد خلفنا.
– يقول مارشال مكلهان أنك تعتقد أن الهيروين ضروري لتحويل الجسد الإنساني إلى بيئة تحتوي الكون. لكن ما قلته لي الآن ينفي ذلك
= لا. المخدرات تضيق الوعي. الفائدة الوحيدة التي جنيتها من المخدرات هي أنني أصبحت على أتصال مع هذا العالم المسلي. الذي أريده هو أن أرى أكثر مما بإمكاني أن أراه الآن. أن أبتعد إلى أقصى الحدود حتى أستطيع الحصول على وعي كامل بما يحيطني. بيكيت يريد أن يذهب إلى الداخل. في البداية كان في قنينة، الآن هو في الطين. أنا أسعى في الإتجاه الآخر، إلى الخارج.
– هل بإمكانك أن تفكر لوقت طويل باستخدام الصور فقط، بغياب الصوت الداخلي؟
= أشعر أنني أفضل في ذلك الشأن من أي وقت مضى. نوعا ما، يرجع ذلك لكتاب القصاصات وترجمة الروابط بين الكلمات والصور. جرب ذلك. تذكر بحذر معنى فقرة ما، ثم إقرأها. تكتشف أن باستطاعتك قراءة الفقرة دون كلمات، فقط بأصوات عشوائية. تجربة استثنائية، عابرة للأحلام. عندما تبدأ التفكير عن طريق الصور، دون كلمات، أنت في الطريق الصحيح.
– لماذا تسعى إلى حالة (إبداعية) بلا كلمات؟
= أعتقد أنها نزعة ثورية. أعتقد أن الكلمات أدوات خرقاء بدائية للتعامل مع العالم، وأنها ستركن جانبا في نهاية الأمر. سيحدث ذلك في عصر الفضاء القادم. معظم الكتاب الجادين يرفضون قبول أستخدام التكنولوجيا التي أمامهم. لا أستطيع فهم ذلك الخوف. معظمهم يخافون استخدام أجهزة التسجيل، أو أية أدوات ميكانيكية لأغراض أدبية. يبدو أنهم يعتبرون ذلك أمرا ينتهك المحرمات. هناك أعتراض ما على القطع واللصق (الكولاج). هناك تبجيل خرافي للكلمات. يا إلهي، يقولون، ليس بإمكانك تقطيع هذه الكلمات. لم لا؟ أجد أن الذين لا يمارسون الكتابة لديهم اهتمام أكبر من الكُتّاب بتقنية تقطيع الكلمات. الأطباء، المحامون أو المهندسون، كل الأذكياء والذين لديهم عقول منفتحة يقدرون ذلك.
– كيف أصبحت مهتما بالقطع واللصق (الكولاج)
= كنت في باريس في صيف عام 1960، بعد صدور رواية الغداء العاري. أصبحت مهتما باحتمالات تلك التقنية، وبدأت بعمل تجارب على نصوصي. عندما تفكر بعمق في هذا الموضوع تجد أن قصيدة الأرض الخراب كانت أو كولاج شعري عظيم. تريستان تسارا (الحركة الدادائية) فعل ذلك أيضا منذ زمن.
– بناءا على مفهومك للكولاج والكلمة/الصورة، ماذا سيحدث للرواية في الخمس وعشرين سنة القادمة؟
= أعتقد أنه سيكون هناك تداخل أكبر بين الفن والعلوم. في الوقت الحالي، العلماء يدرسون العملية الإبداعية، والجدار الذي يفصل الفن عن العلم يتساقط، بحيث يصبح العلماء أكثر إبداعا والكتاب أكثر وعيا بالعلوم. ولا أرى أي سبب يمنع عالم الفن من الولوج إلى ماديسون أفينيو. الفن الشعبوي Pop Art خطوة في هذا الإتجاه. لماذا لا يكون لدينا إعلانات بكلمات جميلة وصور جميلة أيضا؟ حاليا، هناك صور جميلة وحافلة بالألوان في إعلانات الويسكي. العلم سيكشف لنا كيف تتشكل كتل العلاقات (بين الكلمات والصور).
– هل استخدمت الكومبيوترات؟
= لم أفعل ذلك، لكنني رأيت بعض الشعر الكومبيوتري. بإمكاني أن ألتقط بعضا من تلك القصائد لأجد اقترنات لها، بمعنى صور تنسجم معها. كل ذلك ممكن.
– هل تؤمن بوجود الله؟
= الله؟ لا أعتقد ذلك. أعتقد أن هناك آلهة عديدة. الذي ندعوه ربا هنا على الأرض هو إله قبيلة صغير أنتج فوضى مفزعة. بالتأكيد، قوى كثيرة تعمل داخل الوعي الإنساني تتحكم بالأحداث. الكاتب لدى هنري لوس (مالك مجموعة كبيرة من المجلات الأمريكية) هو أداة في يد طاقة هائلة، بقوى نهمة للكلمات والصور. ماذا تريد هذه القوى عمله بكل تلك القمامة من الصور؟
– وصفتك ماري مكارثي أنك مثالي بغيض. هل هذا صحيح؟
= أنا دائما أعني ما أقول، نعم، كي أساعد الناس على فهم العالم المجرم الذي نعيش فيه، كي يزدادوا حكمة. أعمالي كلها موجهة للذين يريدون بسبب غبائهم أو بسبب تأثير ما أن يدمروا هذا الكوكب أو يجعلوه غير قابل للسكن. على سبيل المثال، رجال الإعلانات الذين تحدثت عنهم سابقا. أنا قلق بسبب التلاعب الذي يفعله هؤلاء بالصور والكلمات لغرض التأثير في وعي القارئ وليس فقط لحثه على شراء زجاجة كوكاكولا. أحيانا يسألونني، لو كنت وحيدا في جزيرة نائية، وكنت أعلم أن لا حد يقرأنى، هل سأواصل الكتابة. إجابتي الأكيدة والقاطعة هي نعم. سأواصل الكتابة للتواصل. لأنني أخلق عالما متخيلا – سيكون متخيلا على الدوام – عالما بإمكاني أن أعيش فيه.
وليام بوروز (1914-1997) روائي وشاعر أمريكي عرف بكتاباته في ما بعد الحداثة وانتمائه الى جيل البيت. كتب بوروز 18 رواية، 6 مجموعات من القصص القصيرة وقصائد عديدة. كتب روايته الأشهر “الغداء العاري” عام 1959 وتعرض للمحاكمة بسبب الرواية التي وصفت بالإباحية. يعد بوروز من أكثر الكتاب الأمريكيين تأثيرا في القرن العشرين.
من أعمال وليام بوروزالأخرى:
١. الماكينة الناعمة (رواية)
٢.ثلاثية الليلة الحمراء (ثلاث روايات: مدن الليلة الحمراء، مكان الشوارع الميتة، الأراضي الغربية)
* من حوار أجرته مجلة باريس ريفيو مع بوروز عام 1965
ترجمة : أشرف الزغل
عن الطفولة والكتب – مقابلة مع امبرتو إيكو
نتواصل مع العالم من خلال جذورنا
قصائد للشاعر المكسيكي خورخي كونطراريس هيريرا