يصعب أن نجد شاعرا أو منظرا، من غير أدونيس، ومن داخل الجيل الذي ينتمي إليه، يقدم لنا مفهوما له قطيعته مع المفهوم السائد للشعر المعاصر. ويحدد لنا أدونيس في بيانه الثاني الذي يحمل عنوان “تأسيس كتابة جديدة” ما سماه “ملامح” الحداثة الشعرية، إنطلاقا من مصطلح “الكتابة الجديدة”. وهذه “الملامح” هي :
1. نفي المعلوم وإيجاب المجهول : يسعى أدونيس، منذ البدء، لهدم أحد المعايير الرئيسة في الرؤية القديمة إلى الشعر والتفكير والكتابة. فالإنحباس في المعلوم، شعرا وتفكيرا وكتابة، يؤدي مباشرة إلى وضع يجعلنا “لا نفكر في الواقع ولا نكتب”.
2. إلغاء الحدود بين الأجناس الأدبية : إذ على الكتابة أن تتغير “تغييرا نوعيا” حتى تصبح الخريطة التي كانت “عليها حدود الأنواع .. بيضاء دون أدراج أو رفوف”. ويظل المعيار الأساسي في تمييز نوعية المكتوب هو “درجة حضوره الإبداعي”.
3. الزمن الثقافي بدل الزمن الشعري : واتساع الزمن طوق إلى تغيير “العلاقة في فعل الإبداع : لا تعود بين الخلاق وتراث سابق، بل تصبح بين الخلاق وحركة الخلق” وهذا يعني أن التراث “لا ينقل بل يخلق” والماضي “نقطة مضيئة” لا بد من البحث عنها، و “جوهر القصيدة في اختلافها لا في إئتلافها”.
4. الإنتاج حركة خلاقة : بمعنى أن النتاج يكمن في حركة الإنتاج لا في النتاج ذاته، فهو صيرورة لا نهائية.
5. الثقافة إبتكار : وهذا الملمح ذو علاقة بالسابق، فهو يوسع الإنتاج كحركة دائمة تتجه نحو المستقبل.
6. الكتابة سؤال لا جواب : وبهذا يدعو أدونيس لاستبدال “مقولة الفهم بمقولة التأمل”. فالشاعر الذي كان يكتب ما يعرفه من المعاني أصبح مؤسسا لمعان هي “نتاج الكتابة”. وتقف الكتابة، بعد ذلك، عن أن تكون خاضعة لبداية معلومة ونهاية معلومة. وإذا كانت الكتابة قد تخلت عن أسبقية المعنى فإن القراءة بدورها، وهي تسلك سبيل التأمل، ترى إلى القصيدة في فضائها لا في خطيتها.
عن كتاب : الشعر العربي الحديث – الشعر المعاصر
“فساد الأمكنة”.. تصدعات الحكمة، واستفحال المأساة
“الحالة الحرجة للمدعو ك” – فخّ “اليوميات” بين الحيلة الشكلية والغاية البنيوية
“كتاب النوم”.. تأملات كثيفة كالحُلم / محمود حسني