زلزال
قُبَالةَ مَسْرحِ الكوميديا الفَرنسية , هُناك مقهى
ريجنت; وفيهِ حُجرة
عَميقة, فيها أريكَةٌ وطاولة.
عندَما أدخلُ ينهضُ الغُبارُ ويقِفُ على قَدَمين.
بينَ شَفتيَّ المصْنوعتين منْ مطَّاط,
تُطلقُ جذوةُ اللُفافَةِ دُخاناً, وفي الدُّخان
يُرى دُخانانِ مٌكثَّفان..
إنه القَفَص الصدريُّ للمَقهى,
وفي القَفَصِ الصَّدريِّ, صدأ حُزنٍ عَميق.
لا بدَّ للخَريفِ أن يَترَصَّعَ بأكثر من خَريف,
لا بد للخَريفِ من أن يكْتَملَ بالبَراعِم,
كما الغَيْمةُ بأَنصافِ السَّنوات; والتَّجْعيدةُ بالوَجنات.
لا بدَّ من رائحةِ جُنون
يا لَسُخونة الثَّلج, يا لَسُرعة السُّلْحفاة,
كمْ هيَ بسيطةٌ “كيفَ”, وكمْ هي صاعِقةٌ “متى”!
رجل يمر حاملاً رغيف خبز على كتفه
رجل يمرُّ حاملاً رَغيفَ خُبزٍ على كَتِفِه
فهلْ سأكتبُ بعد ذلك عن صنوي ؟
آخرُ يجلسُ, يحكُ, ويُخرج قملةً من إبطه.. يقتلُها
فما قيمةُ الحديثِ عن التَحليلِ النَّفسي ؟
آخر ُيقتحمُ صَدريَ وفي يدِه عصا
فَهل يمكنُ التحدثُ بعدَ ذلكَ عن سُقراط إلى الطَّبيب ؟
أعرجُ يمرُّ مادّاً ذراعَه إلى طِفْل
فهلْ سأقرأ بعدَ ذلك أندريه بريتون ؟
آخرُ يرتعشُ من البَرد, يَسعلُ, يبصُقُ دَماً
فهلْ يُجدي التَّلميحُ إلى الأنا العَميق ؟
آخرُ يبحثُ في الوَحلِ عن عِظام وقُشور
فكيفَ نكتبُ بعد ذَلك عن اللاّنهَاية ؟
بنَّاءٌ يَسقطُ من أعلى سَطحٍ, ويموتُ دونَ تناولِ الغداء
هل سنبتكرُ بعد ذلك الاستعارة والمجاز ؟
تاجرٌ يختلسُ غراماً وهو يكيلُ للزبون
أيمكنُ التحدُّث بعدَ ذلكَ عن البُعدِ الرَّابع ؟
مصرفيّ يُزوِّر ميزانيتَه
فبأيِّ وجهٍ يمكنُ البُكاء في المَسْرح ؟
منبوذٌ ينامُ وقدمُه على ظهرِه
أيمكنُ التحدثُ بعد ذلكَ عن بيكاسو إلى أَحد ؟
أحدُهم يَمضى مُنتحِباً في جنازة
كيفَ يمكنُ الالتحاقُ بعدئذٍ بالأكاديمية ؟
أحدُهم ينظِّفُ بندقيةً في مطْبخهِ
ما قيمةُ الحديثِ عن الغَيب ؟
أحدُهم يمرُّ حاسباً على أصابعه
فكيفَ يمكُنُ التحدثُ عن اللاّ – أنا دونَ صُراخ ؟
ثقة بالمنظار وليس بالعينين
ثِقةٌ بالمِنظار,ِ وليسَ بالعينين;
بالسُّلَّم, وليس بدَرَجةِ السُّلَّم;
بالجناحِ, وليس بالطائر
وبك أنت وحدك, وبكَ وحدك, بكَ وحدك.
ثقةٌ بالشَّر, وليس بالشرِّير;
بالكأسِ, ولكنْ ليسَ بالشرابِ المقطّرِ مُطلَقاً;
بالجثَّة, وليسَ بالإنسان
وبكَ أنتَ وحدَك, بكَ وحدَك, بكَ وحدَكَ.
ثقةٌ بالكَثرةِ, ولكنْ ليسَ بواحدٍ وحدَه;
بالمجرى, وليسَ بالتَّيار;
بالسَّراويلِ, وليس بالسِّيقان
وبكَ أنتَ وحدَكَ, بكَ وحدَكَ, بكَ وحدَكَ.
ثقةٌ بالنَّافذةِ, وليسَ بالباب;
بالأمّ, ولكن ليسَ بالشُهورِ التِّسعة;
بالقَدَر, وليس بالنردِ الذهبي,
وبك أنتَ وحدكَ, بكَ وحدكَ, بكَ وحدكَ.
حجر أسود فوق حجر أبيض
سَأَموتُ في باريسَ تَحتَ وابلٍ منَ المَطر,
في يوم لديَّ منذُ الآنَ ذكرى عَنْه
سأموتُ في باريسَ – ولسْتُ مُسْتَعِجلاً –
ربَّما في يومِ خَميسٍ خَريفي, مثلِ هذا اليوم.
سيكونُ خَميساً لأنَّ هذا اليومَ خميسٌ, وفيه أنثرُ
هذهِ الأشعارَ, وعظامُ العَضُدِ في أسوأ
حال, ولمْ أرَ نفْسي قطّ
وَحيداً مِثلَما أنا اليوم.
سيزار باييخو قَد مات, وهُم جَميعاً يركلونَه
دونَ أن يَفعلَ لَهم أيَّ شَيء;
يضربونَه بالهَراوات وبِقَسوَة.
بالحبالِ يَسوطُونَه; تشهدُ على ذلك
أيامُ الخَميسِ وعظامُ العَضُد,
والعُزلةُ والأمطارُ والدروبْ…
عن كتاب “قصائد إنسانية” ترجمة: صالح علماني – منشورات مكتبة الأسرة 1999
وُلد سيزار باييخو في بلدة دي تشوكو في جبال الأنديز في البيرو عام 1892، وتوفي في العاصمة الفرنسية باريس عام 1938. يعتبر باييخو واحداً من أعظم شعراء اللغة الإسبانية في كل العصور، وأكثرهم صعوبة وتعقيداً على الإطلاق. يقول الناقد والمحرر البريطاني المعروف مارتن سيمور سميث أن باييخو هو أعظم شعراء القرن العشرين بكل اللغات.
عن الطفولة والكتب – مقابلة مع امبرتو إيكو
نتواصل مع العالم من خلال جذورنا
قصائد للشاعر المكسيكي خورخي كونطراريس هيريرا