توفي أمس 29/11/2014 الشاعر الأمريكي مارك ستراند. وُلِد مارك ستراند عام 1934 في سمرسايد، جزيرة الأمير إدوارد، كندا؛ ونشأ وترعرع في مدن عديدة في كندا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية. درس الفن في مطلع شبابه ثم انتقل إلى كتابة الشعر. أصدر ستراند ما يربو على عشر مجموعات شعرية، بالإضافة إلى كتب في النقد الفني وأدب الأطفال والقصة القصيرة والترجمة، وحاز شعره على العديد من الجوائز الأدبية الهامة منها بولينجن 1993 عن “المرفأ المظلم”، وبولتزر 1999 عن “عاصفة ثلجية فريدة”.
فيما يلي حوار أجرته باريس ريفيو مع الشاعر الراحل مارك ستراند عام 1998.
– هل نقرأ الشعر لأننا مهتمون بثيمات ومواضيع معينة؟. أم نقرؤه من أجل تعلم وجهة نظر أحدهم عن الحياة؟. أم لنعرف إن كان الشاعر الذي نقرؤه ينظر للأشياء كما ننظر إليها؟
= لا ينبغي لنا أن نقرأ الشعر كما نقرأ الحقائق اليومية. أنت لا تقرأ قصيدة حتى تعرف كيف تصل إلى شارع رقم 24. أنت لا تقرأ قصيدة كي تصل إلى معنى الحياة. على النقيض من ذلك. ستكون بغاية الحمق إن فعلت ذلك. هناك بعض الشعراء الأمريكيين الذين يقدمون لقرائهم شريحة من الحياة، مثل؛ “ذهبت اليوم إلى البقالة، ورأيت رجلا، نظر إلي، ونظرت إليه، وعلمنا ساعتها أننا لصان. ألسنا كلنا لصوص؟”. هذا تعبير عن خبرة حياتية أو حكمة ما. وهناك نوع آخر من الشعر حيث يعطي الشاعر القارئ عالمه البديل أو رؤيته الخاصة عن العالم. كان والاس ستيفنز أفضل شعراء القرن العشرين في ذلك الأمر. ليس هناك ما يشبه شعر والاس ستيفنز. ذات المقولة تنطبق على قصيدة فروست وقصيدة هاردي أيضا. هؤلاء الشعراء صنعوا عوالمهم الخاصة. لغتهم قوية جدا وخاصة جدا. بإمكان القارئ أن ينظر في قصائدهم لا ليتعلم معنى أو حقيقة الحياة، لكن ليمتلئ بأصواتهم الخاصة.
– لا شك أن قصيدتك تنتمي للصنف الشعري الثاني. أنت تمتلك فكرتك الخاصة عن العالم. بإمكاننا تصور أو تخيل مشاهد قصيدتك، لكن هناك غرابة ما في أنك تجمع عناصر موجودة في عالمنا، تلك العناصر ليس بإمكاننا تخيل وجودها مجتمعة كما تفعل بها أنت. وأحيانا نصل إلى نقطة ما في قصيدتك حيث نشعر بحافز ما يحثنا على تخيل تناقض حرفي أو خيالي. في اللوحات السوريالية، يمكن للرسام أن يعرض لوحة لمشهد غرائبي، لكن ليس في استطاعته عرض ما تعرضه أنت في قصائدك.
= حسنا. يحدث في قصائدي أن اللغة تسيطر، وأنا أتبعها. يبدو لي الأمر منطقيا. واثق بما توحيه القصيدة، بالرغم من عدم ثقتي الكاملة بما أقول. في تلك اللحظة، أمتلك إرادة ما كي أجعل القصيدة تكون. لأنني لو كنت متأكدا بشكل مطلق من صحة القصيدة، وأنني قلت بالضبط ما أردت قوله، فإن القصيدة آنئذ تكون أقل ذكاءا مني، ستكون القصيدة موضوعا مختزلا. إن الذي يعيدك للقصيدة مرة بعد أخرى هو “المابعدية” في تلك القصيدة. المدهش في هذا الأمر أن القصيدة تبدو طبيعية في بداياتها. كيف وصلت إلى هذه النقطة؟. ماذا حدث؟. أحب ذلك في قصيدتي. أحبه في قصائد الآخرين. أحب غرائبية القصيدة. لأنه في ذلك المكان بالذات؛ المكان الغامض والبعيد، تصبح القصيدة بمتناول يد القارئ. بمعنى، أن ذلك يصبح حقيقيا بسبب سعي القارئ خلف المعنى، مما يجعل القارئ يمتص القصيدة بالرغم من غياب تلك القصيدة. على القارئ أن يتصالح مع ذلك. في نهاية الأمر، يصبح غموض القصيدة وعدم توافقها مع خبرة القارئ أساسيا في إمتلاك القصيدة كامتلاك سر لا نسمح لأنفسنا بامتلاكه عادة في الحياة اليومية.
– لا نسمح لأنفسنا ؟
= أعني أننا نعيش مع الغموض، لكننا لا نحب ذلك الشعور. أعتقد أنه لا بد لنا من الإعتياد على الغموض والغرائبية. غالبا ما نريد أن نعرف ماذا تعني الأشياء، ونريد فهم كل شيء فهما تاما. لا أعتقد أن القدرة على إتقان الحياة صفة بشرية. هذه النزعة للفهم الكلي للأشياء بعيدة عن الشعر.
– لعل قارئ صحيفة يومية كالنيويورك تايمز غير مهيأ إذا لقراءة الشعر؟
= حسنا. من غير المتوقع أن يقوم قارئ ما بالقفز من النيويورك تايمز إلى قصيدة جون أشبري أو جوري غراهام. اللغة في الشعر تخضع لاختبار آخر، وتستعمل لهدف آخر. لغة القصيدة تتطلب تأملا. المساحة النفسية المطلوبة لقراءة الشعر وتأمله تختلف عن المساحة النفسية المطلوبة لقراءة النثر. الكلمات تكبر وتتمعرض في مساحة الشعر، حيث يمكن قراءة الشعر وسماعه بسياق نفسي نظيف وجاهز.
– ربما يخاف الناس قراءة الشعر لأنها تجعلهم قلقين ومتوترين؟
= الناس لا تحب أن تقترب من المجهول أو الغرائبي. المجهول يشبه الموت؛ يحمل صفة تهديدية، وتقترح إحتمالات لفقدان السيطرة قريبا.
– أريد أن أسألك سؤالا شخصيا. هل تهتم إن كان لك قراء بعد موتك؟
= الحقيقة أنني لست على يقين من ذلك. أعتقد أنني أهتم بذلك، لكن موقف كهذا هو تقدير مستقبلي.
– هل تعني تقدير خيالي؟
= أعني، أنني أفضل أن أكون حيا بعد أن أموت. هذا كل ما في الأمر. لا أعتقد أن الأمر سيختلف كثيرا بالنسبة لي إن كنت مقروءا حين أكون ميتا … أكثر الكتاب يرتبون إنجازاتهم في سجل عام. سيقرأهم الناس لفترة، ثم ينتقلون إلى غيرهم وهكذا. الشعر نشاط إنساني جوهري وعليه أن يستمر. أعتقد أن الساعة التي نتوقف فيها عن كتابة الشعر أو قراءته هي ذاتها التي نتوقف فيها عن كوننا آدميين.
من قصائده:
أكل الشِعر
حبر يسيل من زوايا فمي
لا سعادة كسعادتي
انني آكل الشِعر
موظفة المكتبة لا تصدق ما ترى
عيناها حزينتان
تمشي ويداها في فستانها
رحلت القصائد
الضوء خافت
الكلاب تصعد درجات الطابق السفلي
تدور عيون الكلاب
تشتعل سيقان الكلاب كحقل من الشجيرات
موظفة المكتبة المسكينة تضرب الأرض بساقيها وتنوح
هي لا تفهم
تصرخ عندما أجثو على ركبتي والحس يديها
أنا رجل جديد
ازمجر نحوها وأعوي
ألهو وامرح في العتمة التي من كتاب
البقايا
أفرغ نفسي من أسماء الآخرين، أفرغ جيوبي
أفرغ حذائي وأضعه على جانب الطريق
في الليل، أعيد الساعة الى الوراء
أفتح ألبوم صور العائلة وأنظر الى نفسي حين كنت طفلا
ما النفع في كل ذلك؟ الساعات عملت بمقتضى وظيفتها
أقول اسمي، أقول وداعا
الكلمات تتبع بعضها بعضا
أحب زوجتي لكنني أتخلص منها
والداي ينهضان من عرشيهما
الى الغرف الحليبيه في الغيم. كيف لي أن أغني؟
الوقت يقول لي من أنا. أنا أتغير وأبقى كما أنا
أفرغ نفسي من حياتي وحياتي تبقى
عن الطفولة والكتب – مقابلة مع امبرتو إيكو
نتواصل مع العالم من خلال جذورنا
قصائد للشاعر المكسيكي خورخي كونطراريس هيريرا