هنالك لحظة مُحدّدة في الزَّمن
يصل المرء فيها بالضَّبط إلى منتصف حياته،
هي جزء صغير من ثانية،
شذرةٌ واهيةٌ من الزّمن تَعبر أسرعَ من نظرة،
أسرعَ من ذُرى الإغماءات الغرامية،
أسرعَ من الضَّوء.
للإنسان حساسيتُه إزاء هذه اللحظة.
ثمّة شوارع كبيرة بين أوراق الشَّجر
تتمدّد صَوْبَ البُرج الذي تغفو فيه امرأة
يُقاوِمُ جَمالُها القُبَلَ والفصول
كما تفعل نجمةٌ في وجه الرّيح، كما تُقاوِمُ الصَّخرة العالية الشَّفرات
سفينة مرتعشة تغوص وتَهدر.
على قمّة شجرةٍ تصطفقُ راية.
امرأة شَعرُها حَسَنُ التَّصفيف، لكنّ يديها تتدلّيان حَتَّى خُفَّيْها
تظهر في زاوية شارع،
مُهتاجةً، مرتعشة،
بِيدها تحْمِي سراجا من زمن آخر، دخانُه يتصاعد.
ثمّ هنالك حمَّالُ مرسَى، سكرانُ، يتغَنِّي في زاوية جِسْر،
و عشيقةٌ تعضّ شفتي عشيقها،
هنالك بتلة وردة تسقط على سرير فارغ،
وثلاثُ ساعاتِ حائطٍ ترِنّ، بِفاصِلِ بضع دقائق،
مُعلنةً نفس السّاعة،
ورجلٌ يَعبر شارعا، يَلتفت
فثمَّة من نطقَ اسْمَه بصوتٍ جهوري،
لكنْ ليسَ هُوَ من تناديه تلك المرأة،
ثمَّ هنالك وزيرٌ في لباس رفيع،
مُنْزَعِجٌ بقرف من طرف قميصه العالق بين بنطاله والسروال التَّحْتيّ،
يُدَشِّنُ ميتما،
ثمَّ مِن شاحِنة تمضي بأقصى سُرْعَة
في شوارع الليل الفارغة
تسقط حبّة طماطم بديعة وتتدحرج إلى الجدول
وستُكْنَسُ بعْدها،
وهنالك حريق يندلع في الطّابق السّادس من بيت
يلتهبُ في فلب مدينة صامتة ولامبالية،
ثمّ هنالك رجل يسمعُ أغنية
منسية منذ زمن طويل وسينساها مُجَدَّدا،
ثمّ الكثير من الأشياء،
الكثير من الأشياء الأخرى التي يراها المرء في لحظة منتصف حياته بالضَّبط،
الكثير من الأمور الأخرى التي تجري بِشكل مطوّل في الأقصر من بين اللحظاتِ القصيرة على الأرض،
يَستشعِر المرء مدى السَّرَّ الذي تحفل به تلك الثانية، تلك الشّذرة من الثّانية،
لكنّه يقول: « لِنَطرُدْ هذه الأفكار السّوداء»،
و يطرد تلك الأفكار السّوداء.
فما الذي يُمْكنهُ أن يَقول
وما الذي يُمكنه أن يَفعل
خيرا من ذلك؟
عن الطفولة والكتب – مقابلة مع امبرتو إيكو
نتواصل مع العالم من خلال جذورنا
قصائد للشاعر المكسيكي خورخي كونطراريس هيريرا