ذات صباح شتوي بهيج ، داعب عينيها قوس قزح ، انتشلها من نداءات أمها المتكررة ، عبرت الطريق بقدمين حافيتين ، وسخهما الطين، أمها مازالت تنادى ، لم تلتفت إليها ، داومت السير ، تتجه فى خدر نحو ألوان الطيف الساقطة هناك على البعد نحو الأرض .
…
قالت الأم : بنتى شغلتها النداهة .. – خلاص – لن يدخل عليها أحد ..
رد الأب : البنت لا تزال طفلة ..
– هذه هى المصيبة
– لمَّ ؟
– النداهة ستسيطر عليها وتشاغلها ..
أغلقى عليها
….
بمرور الوقت يغيب القوس وتتلاشى الألوان ، ولا يستطيع أحد تذكر الأمر باستمرار ، وتعاود البنت حياتها بعيدا عن الغرفة المغلقة .
…
تجملها أمها وتهندمها باستمرار ، تستدعى على عجل خراط البنات ليخرطها ..
نهدان صغيران يراوغان عينيها يوما بعد يوم ، تبتسم البنت على استحياء ، كلما رأت عيون الصبية تختلس النظرات إليها ..
…
لما أمطرت السماء ، وراح جمل الصيف يلاحق جمل الشتاء ، فرحت البنت ، وراحت تعبر الطريق متجهة نحو الشمس التي يشع وضوؤها على استحياء علّها تخبيء خلفها ذلك القوس الملون العجيب .
كانت الأم منشغلة عنها بالماء الساقط من السقف المعروش بالجريد والبوص والطين على الأسِّرة والحبوب ..
لطمت الأم على وجهها لمّا رأتها عائدة بقدمين متسختين .
قال الأب : قلت لك أغلقي الباب وأريحي نفسك
….
من غرفتها تنظر للفضاء عبر نافذة صغيرة ضيقة ، تراقب كائنات هشّة هلامية ، تتراقص مع بعضها البعض ، قادمة مع ضوء خفيف للشمس ، يكاد قوس قزح يعبر إليها عبر النافذة ، شعرت البنت بقشعريرة تلف جسدها ، راحت تلملم ثوبها ، تلفه بإحكام حول هذا الجسد الغض الرقيق ، تضغط نهديها بقوة ، يتقلص حجمهما ،تندمج كفراشة صغيرة عبر الأعمدة الملونة الساقطة إليها ، تندفع بقوة نحو الضوء .. يتلون جسدها بلون القوس .. تتماهى الألوان خيطا رفيعا يتراقص فى السماء ..
……..
كان والداها يبحثان عنها ..لم تستطع أن تخبئ ابتسامة داعبتها ..
صاح ولد : ( بنتك هناك يا خالة )
نظرت إلى الولد متلهفة : أين ؟ … أين ..؟ ؟؟؟
انظري هناك فى السماء .. للألوان
لم تر شيئا ..!
بينما تدقق النظر .. كان الولد ينسحب نحو القوس بخطوات مسرعة .
السن الذهبية / ادريس خالي
نصوص / تغريد عبد العال
مختارات من “ومخالب إذا لزم الأمر” / خالد أبو بكر