أصبح ملك الروك وحده قوة خاصة وجهت ضد الألمان الشرقيين ، هذا ما كتبه جون وينر الكاتب الأمريكي المعروف عن مشاهير الرجال الذين ساهموا بمعرفة أو دون معرفة منهم في الحرب الباردة التي دارت رحاها بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي سابقا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في كتاب جديد له حمل عنوان ” كيف ننسى الحرب الباردة ” ، وينر أفرد فصلا كاملا عن الفيس بريسلي والذي عرف بملك الروك أند رول وهو الأكثرشهرة في أمريكا والعالم ، حيث أنتجت له هوليوود 33 فيلما غنائيا راقصا في خمسينيات القرن الماضي ، وخلال الأعوام 1958 – 1960 سيق للخدمة العسكرية في ألمانيا في وحدة للدبابات الأمريكية العاملة هناك خلال أزمة برلين الشهيرة ما جعلت القيادة العسكرية تغتنم فرصتها باستغلال شهرته في الحرب الباردة التي بدأت تلوح بين المعسكرين الغربي والشرقي الدائرة هناك وذلك بإفساح المجال له بإحياء حفلات راقصة للجنود الأمريكان وتم نقل تلك الحفلات مباشرة عن طريق الراديو الموجه للقسم الشرقي من ألمانيا .
الفيس انضم إلى آلاف الجنود والدبابات الأمريكية التي نشرها الجنرال باتون قبالة الآلاف من الدبابات الروسية في فجوة فولدا الشهيرة وهو الممر الفاصل بين السلاسل الجبلية على الحدود بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية والتي غزاها هانيبال قبل عدة قرون عديدة ، عاد نابليون وباتون ليسلكا نفس الطريق لأن الاستراتيجيين الأمريكيين كانوا يتوقعون من الجيش الأحمر الروسي المرور من تلك الفجوة للسيطرة على فرانكفورت العاصمة المالية لألمانيا الغربية وبالتالي على كل أوربا الغربية ، في خلال تلك السنوات العصيبة المح قادة ألمانيا الشرقية ومنهم وزير الدفاع أن وجود الفيس بريسلي فوق الأراضي الألمانية يعد بمثابة تهديد قوي للبلاد وخطورته تكمن بإغوائه لشبابنا ، بينما صرح زعيم الحزب الشيوعي والتر أولبرشت في إحدى المؤتمرات الثقافية للحزب قائلا :
– لايكفي أن نرفض الانحطاط الرأسمالي فقط بالكلمات بل علينا أن نقدم أفضل شيئ حتى على مستوى الغناء ضد ما يمثله ذلك المنتشي الذي يدعونه بريسلي .
الهجوم الألماني الشرقي على بريسلي جاء بعد أن شهدت قاعات الرقص هناك دعوة صريحة من الشباب بممارسة رقصة الروك أند رول التي قلبت مفاهيم الرقص الألماني رأسا على عقب والتي سبق وتوارثها الآباء عن الأجداد ما حدا بالسلطات المحلية من منع تلك الرقصات في كافة المراقص والنوادي ، لكنهم سرعان ما واجهوا غضبا شديدا من الشباب المراهقين الذين ساروا وسط مدينة لايبزيغ وهم يهتفون بأعلى أصواتهم :
– يحيا بريسلي .. يحيا بريسلي
بينما هتف آخرون :
– يحيا والتر ، في إشارة إلى رئيس الحزب الشيوعي الألماني .
بينما انطلقت مظاهرات مماثلة من قبل المعجبين ببريسلي تم الابلاغ عنها في دريسدن بألمانيا الشرقية ومناطق أخرى من البلاد صيف عام 1959 ، حكمت بعدها المحاكم الألمانية على 15 متظاهرا من الشباب بالسجن لمدد تراوحت بين الستة أشهر إلى الأربع سنوات ونصف ، كان الرأي المسؤول هناك يقول بأن الفيس لايختلف في تهديده عن تهديد المؤسسة الأمريكية بل قد يكون أخطر بتأثيره المباشر على الشباب خاصة ، بينما كان المسؤولون العسكريون الغربيون يرفضون هذا الرأي ويحرصون على استغلال شعبيته لحشد الدعم لحلف شمال الأطلسي بين الشباب الألماني .
الفيس بريسلي ومع أن حفلاته الغنائية الراقصة كانت تأخذ حيزا كبيرا من وقته هناك ، إلا أنه كان يشعر في قرارة نفسه أن معظم من عرفهم لايريدون اي نوع من الحرب خاصة في كوريا التي بدأ إسمها يتردد وهو يحاور وليام تايلور الضابط في سلاح الدروع الذي قال له خلال استراحة جمعتهما في إحدى المناورات :
– ألمانيا ليست هي الهدف الرئيسي لروسيا الآن ، فالحرب القادمة قد تبدأ في مكان ما في كوريا وليس في فجوة فولدا !
تايلور هذا اليوم هو أحد كبار مستشاري الأمن القومي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن وقد نشر اكثر من 17 كتابا جميعها تتحدث عن الأمن القومي الأمريكي ، أما كولن باول فهو غني عن التعريف خدم معه الفيس عندما كان لايزال ضابطا صغيرا يعمل في ألمانيا وقد كتب في سيرته الذاتية عام 1995 والتي حملت عنوان ” رحلتي الأمريكية ” ، تحدث فيها عن الفترة التي قضاها مع الفرقة المدرعة الثالثة في ألمانيا للأعوام 1958 – 1960 كملازم أول وهو بعد لايتجاوز من العمر 21 سنة يقول:
– كانت وحدتنا تشارك في المناورات التدريبية في فجوة فولدا التي شهدت في الوقت نفسه مشاركة الفيس بريسلي الذي أدهشني بمعرفته لبعض هذه الأسلحة الثقيلة ، فكل قطعة من المدفعية وكل مدفع رشاش كان يعلم عنهما الشيئ الكثير ، ومع أن البنادق ومدافع الهاون والدبابات والأسلحة المضادة لها كانت جميعا قد تهيأت لضرب الروس في اللحظة التي يتدفقون بها عبر تلك الفجوة ، فقد كانت لدى الفيس أسئلة عديدة وحاسمة لم أجد لها جوابا وقتها ، باول هذا سبق وان شغل مستشارا للأمن القومي للرئيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة ، وبالتالي فإن تلك الأسئلة التي دارت عام 1959 لم يجب عنها حتى وهو يكتب سيرته تلك .
يبقى أن نذكر أن جون وينر صاحب هذا الكتاب ” كيف نسينا الحرب الباردة : رحلة تاريخية عبر أمريكا ” الصادر عن مطبعة جامعة كاليفورنيا هو أستاذ للتاريخ فيها سبق وأن قدم من قبل خمسة كتب اثنان منها عن عضو فرقة البيتلز جون لينون الذي قتل في أمريكا ، وله العديد من اللقاءات الإذاعية ويكتب في نيويورك تايمز وN P R و صحيفة لوس انجلس وكثيرا ما يكون ضيفا على التلفزيون الوطني و C N N وغيرها
كتابة / جون وينر
ترجمة / أحمد فاضل
صحيفة / الديلي بيست
جون وينر 14 اكتوبر / تشرين الأول 2012
عن الطفولة والكتب – مقابلة مع امبرتو إيكو
نتواصل مع العالم من خلال جذورنا
قصائد للشاعر المكسيكي خورخي كونطراريس هيريرا