مع المختلف والمتفق الادبي والدراسي منه حول مفهوم – وظيفة اللغة الادبية –و مدى تمحورها في خلق مبدعها الادبي، وما فتحته تأويلية التلقي من فضاءات و اضافات منوعة من سعة ونشاط لانتاج جمالية النص،ومنه اعطى الكثير من الرؤى بقيام الولادات اللغوية البينية المتقابلة والمتوافقة للنص المأول، وكما في تأويلية – شلير ماخر- ومنحه بما يعني الوجود لذات اللغة و الاخر لغة الشاعر،وما نراه عند- اوكدن- و – ريشادز- في دلالتي -المرجع – و بمعنى الوجود الاساس في المشار إليه،والوجود اللغوي الإيحائي،ومنه فصلت اللغة الى اللغة النثرية المرجعية و الاخرى الشعرية الايحائية، ومنه ذهبت التنظيرات الى المتقاربات الرؤيوية ومنها رؤية– بالي – مثلا الى مشابه مغاير في الالية الكلامية هذه، بين الايصال التبليغي والاخر الادبي.
وتبقى الايصالية اللغوية وظيفة متعددة، ومنها اهتم اللسانيون بنوعها وقيمها، و أجمعوا على ادائها الذهني الملبي لايصال الانفعال وذلك التوتر النفسي والعاطفي،ولم يخرج جون كوهين عن السابق المسمى (العقلية – الإنفعالية) باصطلاحه دلالة المطابقةdenotation ودلالة الإيحاءconnotation وإشارته لها بدلالة المرجع ايضا في قوله،”ولاتتعارضا الثنائيتان ،إلا على المستوى النفسي،فدلالة المطابقة تشير الى الاستجابة العقلية،ودلالة الإيحاء تشير الى الاستجابة العاطفية،مصاغتين في عبارتين مختلفتين عن نفس الشيء).1.
ومن فرقْ نوع ووظيفة لغة الشعر ولغة النثر،وكما في سابق اشارة لفاليري عند ملاحظة كوهين لها :”أثرين للعبارة بواسطة اللغة،توصيل واقعة واحداث انفعال،والشعر هو تأليف او مناسبة معينة بين الوظيفتين”2. والمتماثلة مع تنظيرات هنريش بليت- مثلا في مؤلف – اللغة والاسلوبية وغيرها من المؤكدات الخاصة لشأنية الإيصال اللغوي.
وقد اكد موروث الادب العربي على ثنائية الايصال اللغوي وبتنوع فني ،من –الفهم والإفهام – عند الجاحظ والمبين في مؤلفه-البيان والتبين-ج1ص76، حتى فرز المؤرخ الاديب-الرماني-الاكثر فصلا في ذلك عند ذكره(ليست البلاغة إفهام المعنى،لانه قد يفهم المعنى متكلمان، احدهما بليغ والاخر عيي،ولا البلاغة ايضا بتحقيق اللفظ على المعنى،لانه قد يحقق اللفظ على المعنى وهو غث مستنكر ونافر متكلف،وانما البلاغة ايصال المعنى الى القلب في احسن صورة من اللفظ)3وفي فصل الرماني هذا، راتب جذل لكشفٍ كثير و واضح كبيان الجاحظ و مشابهه الاتي في عندية الفلاسفة العرب،وما في عمل وظيفة التخيل لمكتشفه الفارابي،والذي يُعدْ نقلة لتأويل ملفوظ اللغة ومسموعها ومكتوبها،ولما فتحت اللغة لذلك الوسع الذي عمل عملته المؤثرة في تطوير الكتابة الادبية المستقبلية،لتمنح الخيال المصنوع وتخيله المنتج و الناتج لجمالية اللغة المولدة والمولودة في وظيفة ايصال النص الادبي.
ومن محقق رؤى – ابن سينا – اصاب مطلب الادب المعاصر والحاضر مع -ابن رشد- في لزومية وصفات تلقي الادب في الالفية الثالثة،هذه الالفية المحاصرة بالازدحام المأشكل المؤشكل والمضبَب والمضبِب،وما رؤوه في لزومية صناعة الادهاش وبمختلف العوامل المشروطة بالجمالية النصية من غرائبية وعجائبية، والتي طالب بها ابن سينا- ايصالية اللغة(تاسيس فضاء رحب من الاغراب والتغير والرمز يبعث على اللذة،وبخلاف هذا الاستخدام،كأن يصار الى الالفاظ الحقيقية المستولية،تنغلق على وظيفة التفهيم ويغدو القول غير شعري)4،ويعد مفهوم –ابن جني –شجاعة اللغة-المنبه الاكبر والاكثر اشتغالة في الوعي اللغوي المولد والموسع رحاب اللغة العربية،بل يعد قارعة تنبيه لكشف عمق اللغة لقدرها التعبيري الملبي لتوق مخفي النفس ومكشوفها الصعب.
وما اكتناه التراث العربي ازاء موضوعة وظيفة اللغة الأدبية،فله حضور واضح في الحداثة الادبية الخاصة بهذا الموضوع،والقائم المتمحور على مفهوم الانزياح ،وقد تقاربت هذه النظرة لمعظم المشتغلين العرب والمهتمين في اداب اللغة،كما فصل خطاب –العسكري- القائل:من القائل ان البلاغة انما هي افهام المعنى فقط،فقد جعل الفصاحة واللكنة والخطأ والاغراق والإبانة سواء”5. وقد دفعت مؤسسات – دو سوسير – اللغوية وبدءا بكتابه – محاضرات في اللسانيات العامة- الاهتمام بالكثير من الدراسات المهمة،ومنها تفريقها بين اللغة كنظام علمي اجتماعي والكلام كنظام فردي، ففككت واوضحت مفاصل علم اللغة،وثم تفريعها في نهجه السميولوجي،حتى مخفيات التصرف لمنح اللغة الايصالية النثرية و الايصالية الفنية المحققة لجمالية اللغة،وقد كان التفرع مرتبط بفلسفة الخصوصية الرؤيوية لهذا الشأن،كما في مدرسة براغ التشيكية- رومان جاكبسون، ودخول المدرسة البنيوية الفرنسية،حتى ما يسمى -مكانية اللغة-المفكك لحجة رولان بارت،بسلطة اللغة و السلطة على اللغة، تسير حجة- بارت- في المدى الواسع الذي عدده المفكرون المعاصرون ايضاً لوسعية اللغة، والمجددين بعديد الاضافات،وقد بان في طبيعة مستعمل اللغة من التوظيف الايصالي العلمي والخبري المعلوماتي والآخر الحامل والناقل لانفعال الشخص وشعوره،حتى وضوح وظائف اللغة الأخرى،مثل وظيفة اللغة التربوية والخطابية كالخطاب المحرض بلغة اللسانية الكلامية ذات الوقع الصوتي،اضافة الى اهتمام البعض بمهام التصوير ووظيفته الموصلة والناقلة، كلغة الرسم، في الوظيفة التربوية والنفسية والفلسفية. وتبقى صناعة الجمال الايصالي اهم وظائف اللغة في اللغة الأدبية والتي تتنوع في الإيصالية الشعرية كنموذج منطلق ومشتغل في ذات اللغة المتطورة والمسماة باللغة التفجيرية وهي اللغة المنزاحة عن المرجع اللغوي القاموسي والمرتبط فنيا به. وتبقى مختلفات الرؤى حاصلا لوسع متفرع في علم وعالم اللغة للجميع الأمم.
————
1-بنية اللغة الشعرية-
2-المصدر نفسه
3-النكت في اعجاز القرآن 4-راجع كتاب “فن الشعر في كتاب الشفاء”
5-مجلة المقتبس – محمد بن عبد الرزاق محمد
“فساد الأمكنة”.. تصدعات الحكمة، واستفحال المأساة
“الحالة الحرجة للمدعو ك” – فخّ “اليوميات” بين الحيلة الشكلية والغاية البنيوية
“كتاب النوم”.. تأملات كثيفة كالحُلم / محمود حسني