إلهي القاطن أعلى أعمدة الكهرباء ، وبنايات دمشق التي ظننتها شاهقة يوماً …
وأبراج المنامة المدببة الآن ….
مراوح دورانها البطيء
هبني قلب لا يتوقف حين يدعوه أحد
و أعصاب …لا تتحطم حين تشير إصبع اتهام
هبني عمراً لا يخلص …بطرفة عين
كما حدث فعلاً ،
وسامة لا تكف ،
وكما أرى هذا الإنسحاب .
أبانا المعلق بحبل إرجوحة تسليته
لا أريد أن أفقد هذا الجمال كله
و هذا المجد
هب لي عمل يحترمني
هب لي نجاحات حقيقية
منصباً و طاولة
هب لي بيتاً و عائلة
و ليس ( بنسيوناً )
هب لي أصدقاء …و ليس ثاقبوا بالونات الثقة
و عالكوا ….لبان السخرية
لغة ، و قصيدة ….لا تشبه أحد .
هب لي حضوراً مدّو
وإنسحاباً يُربك الجميع .
أبانا الذي في السموات العلى
اجمعني بهدوء و روية
أيامي ، ألعابي ، صفوفي ، حاراتي ، مدارسي ، أساتذتي …..
الأمهات اللاتي تناوبن اهمالي ،
الأباء الجائعون أبداً لإلتهامي
اجمع ( قصاقيص ) حياتي التافهة
خِط منها حكاية مقنعة … تلهمني الصبر والسلوان
خِط منها رواية تعوضني عن النهايات المحزنة
والتجارب التي لم تكتمل …..
و الحب الذي كان على الدوام مهدد بالفضيحة .
الهي يا أبي الكوني
لا تصعد بألوهيتك عليّ
لا تنزل بتواضعك … درجات سحقي
لا تكن كبيراً فقط عبر دهسي
لا تكن عظيماً فقط …حيال قِصري
لا تكن شديد العقاب فقط لأنني
أتأتئ كلما ذكر اسمك …
إلهي الذي تقيم بالمساجد الفارهة ،
و وهبت الناس هذه الطمأنينة كلها
البيوت الدافئة ، والأطفال الطيبين ،
والأسرّة المريحة ، والعناق ، وأيام الكريسماس والميلاد السعيد والختان الأسعد
والزفاف المتوج بالمجد ….وحفل ملكات جمال العالم ،
ولاعبوا السيرك المسلون ….
الهي الذي ابتدعت الطبقات والشعوب وصنعت الحكايات والروايات ……الأمم واللغات …
إلهي …. الذي أتقنت كل شيء …وأخطأتني بقطبة …واحدة …
لا أجرؤ البوح بها .
إلهي الذي كل السيارات لك ، و كل المصاعد ، وكل الأبراج والسلالم المتحركة والخادمات الودودات من سيرلانكيات وخلافه …
إلهي الذي اخترعت بطاقات الفيزا المدفوعة ، والهبات والمكرمات الملكية التي تنهمر على الجميع ….
يا واهب المظلات ، والشوارع والأقدام وكل هذه المدن ….
اليافطات والمتاجر والعاهرات ….
يا إله كل شيء لامع و مضيء …و ساحر ولا يشبهني بشيء
يا إله كل ما ليس أنا ….
أريد أن أضحك في الشوارع بحرية يوماً ما واحداً …..أن أمشي حافياً ، أن أغني بصوت عال ….أريد أن لا أحرج بسهولة بالغة
أهان بشكل اعتيادي …
اُخرس …بمجرد اصبع تهديد .
يا إله الأشياء المستحيلة التي من الممكن حدوثها لسواي
إله الأجساد الممشوقة والسيقان الفارعة والمعاصم المزنرة بالذهب …..والأطفال ….بالخدود المتوردة ..والأحذية ألـ جد مصممة بلطف بالغ .
يا إله الأشياء التي تلمع و تُبقي العالم على قيد المتعة
أنا لا أشعر أني داخل لعبتك
وأني مجرد ( لعيب ) على خط التماس …ألمّ الكرات وأغيرّ للاعبين فوط التعرق .
يا إله المعجزات …أود لو كنت أحد قفزاتك المذهلة ( كنادية كومانتشي ) على جهاز التوازن …
أو نجومية و وسامة ( بيكهام )…أو أحد انجازات تصاميمك للبشر المحظوظين …كعشيق عابر لليدي ( ديانا )
يا إله الأكوان … أشعر أني مهمل كثيراً …وطارئ كثيراً …وجانبي أكثر
فأنا لم أتوفق في شيء …
لهذا العصر الملئ بالنجوم …والناجحين …وموظفي البنوك المطمئنين ، وأصحاب رؤوس الأموال المحترفين
و أنا لا أملك أي بريق …و ليس عندي لمعة البطل ….
ناهيك أن فرصي بالنجاح تتهاوى أرقام احتمالاتها باضطراد مفزع .
واريت سوءتها حين كنت في الحمّام (تفرشي ) أسنانك
وأخفيت بعض ما لممته من مفاجآت سارة تحت السجاد …..
كي لا تفتك كلابك المتوحشة التي تشتم الخطيئة على بعد ألف ميل .
يا إله الأكوان العظيم …ها أنا أموت من الضجر والخيبة
من الملل والإنتظار
وهذه القصة التي ألزمتني تشعرني بكثير من الضجر
فهي مأساوية للغاية …وأنا أميل للخفة ومزاجي مرح
لا يتناسب وتقطيبك الجاد .
اغفر لي ازدواجيتي قليلاً يارب …
انتقائيتي قليلاً
كيلي بمكيالين …غالباً
أنا الواحد الذي شكلته مجموع الأشياء المتناقضة
متورط في موقع الجريمة تماماً
وكل الدلائل
تشير إلي
ولا دخل لي البتة
في كل ما يحدث.
السن الذهبية / ادريس خالي
نصوص / تغريد عبد العال
مختارات من “ومخالب إذا لزم الأمر” / خالد أبو بكر