على مسرح الحياة وقف ممثل خرع، أمامه بضعة جمهور وجلين مترقبين، لم يرَ أحدٌ المخرجَ الذي بدا غائباً في ملكوته، وكان بوسع الجمهور أن يسمع المُلقِّن، وهو يلقنه: بس ابكي يا فاشل، ابكي، انتحب، أعطيها دموعاً.. وحين تذكر الممثل الفاشل أن يبكى، بكى يومه وبؤسه وهشاشته وغربته وحياته كلها، فقال الجمهور:
-” الحمد الله ع السلامة!!”
-” لأ، حبيبي، ما تبكي، ما أحلى صوته!!’
-” بسعل يا جماعة، حدا يضربه ع ظهره!!”
على مسرح العجقة وقف أمام جمهور فرح وقفة رجل شامخ يدبك مثل الجديان على جبل الصخور، وقد ربطت لسانه عقدة الفرح؛ لم يصدق انه يمثِّل كل ذكور الأرض في ذلك اليوم الحافل، وبدا له الممثلون كأنَّهم اقاربه واصدقاؤه؛ كانوا فرحين به، راقصوه، حملوه، ألقوه في الهواء، وكان بوسع الجميع ان يسمعوا صوت أمه الملقنة من شرفة البيت وهي تزغرد وتقول له: مبروك يما، احمدْ ربك!! احمدْ ربَّك؛ فقال لهم ودموع الفرح تتساقط كقنابل النابالم على ساحة الرقص: الله يبارك فيكم، لكن لم يسمعه احد فصوته قد بُحَّ من كثرة السهر منذ يومين ومن الغناء.
فقال الجمهور:
-” الله يهنيك، الله يهنيك!!”
-” مبروك، مبروك!!”
-” الله يهنيك، الله يهنيك!!”
على مسرح الهرم الأزرق تمدد على سرير إسعاف، لم يستطع أن يفوه بكلمة واحدة، وكان مندهشاً من غيمات الضباب التي تهطل عليه وحوله؛ كان أمامه جمهور من الخائفين، كانت عيونهم الوجلة تتراقص هنا وهناك كأنها تبحث عن المخرج الذي ما يزال غائباً في ملكوته؛ جمع ما تبقى من صوته، وحاول أن يخطب فيهم، فلم يسمعوا إلا حشرجة خافتة؛ كان ثمة ملقن يرتدي زيَّ رجال الدين يلقنه موشوشاً أن يتلفظ بكلمة السر للوصول إلى ما بعد الضباب الأزرق. وتذكر أول ملقن نعته بالفاشل وضحك، فتأوَّه الجمهور وضربوا كفاً بكف، وتأتؤوا آسفين، مشفقين، ومترحمين.
قال الجمهور:
– “رحم الله فقيدنا..”
-” أكيد هلأ بضَّحك فوق، واحنا بنبكي تحت!!”
-” عمره ما حكى كلمة، ولا حتى عرف كيف يبكي!!”
-” سيبكم منه، واحد فاشل، طول عمره ممثل فاشل..”
السن الذهبية / ادريس خالي
نصوص / تغريد عبد العال
مختارات من “ومخالب إذا لزم الأمر” / خالد أبو بكر