كان الإسلام، من الناحية اللغوية-الشعرية، تثبيتا للأصل العربي القديم، فأكد على قالبية الشعر، من جهة، وعلى الفصل بين الشكل والمحتوى من جهة ثانية. وهكذا عبر عن محتواه الذي كان نفيا للقبلية، بالأشكال ذاتها التي ابتكرتها القبيلة. ومن هنا كان الشعر الإسلامي اتباعيا، يقلد الشعر الجاهلي وينسج على منواله. والواقع أن الذين نظروا للشعر العربي بدءا من القرن الثاني الهجري، اعتبروا أن الشعر الجاهلي أصل، وان الشعر الإسلامي تنويع عليه. ويتضمن هذا الموقف ازدواجية ثقافية: فقد كانت تتعايش في ذهن العربي ثقافة دينية تناقض الجاهلية، وثقافة شعرية، قائمة جوهريا على الجاهلية.
وبقدر ما كانت الحياة تتحول وتبرز نزعة الاستحداث، كانت تبرز بالمقابل نزعة الرجوع الى الأصول والتمسك بثباتها. وكان علماء اللغة يتشددون بالتالي، في نقد الشعر المحدث، انطلاقا من المقاييس التي استخلصوها من الشعر القديم، واستنادا اليها. ويمثل النقد الذي وجه الى شعر ذي الرمة صورة قوية لهذا الصراع بين الثبات والتحول. فقد كان ذو الرمة نموذجا انتقاليا بين الحياة في البادية والحياة في المدينة، ومن هنا قيل في شعره “ليس يشبه شعر العرب”، واستثنى الأصمعي صاحب هذا القول قصيدة واحدة، أذ تابع قائلا : “الا واحدة تشبه شعر العرب”. وتعني كلمة الأصمعي أن ذا الرمة لم يكن يحسن الهجاء مما “أخرجه من طبقة الفحول” …. وهكذا ترتبط الفحولة بالهجاء والمدح. ففي الرواية أن ذا الرمة قال للفرزدق : ما لي لا الحق بكم معشر الفحول؟ فقال له : لتجافيك عن المدح والهجاء.
وهذا كله يدل على أنه كان للمدح والهجاء أهمية اجتماعية – أخلاقية في الدرجة الأولى. فإذا كان الهجاء يرمي الرجل بمعايبه ويصيب ما فيه فإن المدح يرمي الرجل بفضائله ويصيب ما فيه. والهجاء اذن حرب من نوع آخر فيها غالب ومغلوب. والمدح كذلك نوع من التسلح فهو يحشد الفضائل ويبرزها، ويهجم بها الشاعر على العدو أو يدافع بها، فالمدح والهجاء مترابطان وهما سلاحان اجتماعيان. والشاعر الذي لا يحسن المدح والهجاء يكون في القبيلة، بمثابة رجل لا سلاح له، أي لا دور له، أي لا قيمة له.
الكاتب والمحَرَّم – مع ناصر الظفيري
رهائن في عقل زوكربرغ / زادي سميث
الكاتب والمحَرَّم – مع راجي بطحيش