تقتضي الدعوة الى تغيير الإنسان والحياة، الدعوة الى تغيير طريقة التعبير. وقد أهتم جبران بمشكلات التعبير عن الحياة اهتمامه بمشكلات تغييرها، ذلك أن هذه المشكلات وحدة لا تتجزأ. لذلك حين نقول أن شاعرا غير طريقة التعبير، فإننا نعني ضمنا، أنه غير طريقة التفكير أو طريقة النظر الى الأشياء. وسؤالنا: ماذا رأى الشاعر، مترابط مع سؤال آخر: كيف رأى؟ وهذا السؤال الثاني هو الأكثر أهمية، على الصعيد الفني، بخاصة، لأنه هو الذي يتيح التمييز بين شاعر واخر. من جهة ويتيح من جهة ثانية تحديد مدى جدة الشاعر واستباقه، بالقياس الى الماضي.
ونظرة جبران الخاصة الى الحياة والإنسان هي التي استلزمت شكلا تعبيريا خاصا، وبما أن هذه النظرة جديدة ضمن الموروث العربي، على الأقل، فإن شكل التعبير عنها جاء، ضمن هذا الموروث جديدا هو كذلك. يعني هذا على صعيد الممارسة الكتابية وعلى صعيد النظرية الإبداعية، الانفصال عن وجهات النظر القديمة في الإبداع، وعن الممارسة الكتابية الماضية، لكن تزداد أهمية الانفصال عن الماضي وقيمته، بقدر ما يكون جزءا من ابتكار المستقبل.
في صدد هذا التحرر من الماضي يمتدح جبران في احدى رسائله (١٩١٥) شكسبير الذي تحرر، بخلاف معظم الكتاب الإنجليز، من “ربقة الماضي” فكريا ولغويا، ولهذا السبب نفسه يمتدح شيلي الذي أفلت من “أثقال الماضي” شأن شكسبير. ويرى جبران في رسالة أخرى (١٩٢٣) تعليقا على قصيدة كلوديل “بشارة مريم” أن العودة الى الماضي أمر غير واقعي، ويصف كلوديل أنه يعيش في الماضي وبأنه يشبه “آثار قدم يتجمع الماء في تجويفها” ويتابع قائلا “قد يكون الماء عذبا وصافيا، وقد يكون اختلط فيه الإكسير السماوي، لكنني أفضل النبع الحي، وإن يكن ماؤه وسخا، على آثار قدم مليئة بالإكسير السماوي”.
ومقابل الماضي ينهض الآتي كما يعبر جبران، أي المستقبل أو الفكر الجديد الذي سيغلب القديم لا محالة، وهو الفكر الذي يحمله “فتيان يتراكضون كأن في أرجلهم أجنحة”، انهم “أبناء الغد”، و”فجر عهد جديد”.
الكاتب والمحَرَّم – مع ناصر الظفيري
رهائن في عقل زوكربرغ / زادي سميث
الكاتب والمحَرَّم – مع راجي بطحيش