فلما حضرت ليلةً أخرى قال: هات. قلت: إن الكلام في النفس صعب، والباحثون عن غيبها وشهادتها وأثرها وتأثرها في أطراف متناوحة وللنظر فيهم مجال، وللوهم عليهم سلطان، وكل قد قال ما عنده بقدر قوته ولحظه، وأنا آتي بما أحفظه وأرويه، والرأي بعد ذلك إلى العقل الناصح والبرهان الواضح.
قال بعض الفلاسفة: إذا تصفحنا أمر النفس لحظناها تفعل بذاتها من غير حاجة إلى البدن، لأن الإنسان إذا تصور بالعقل شيئاً فإنه لا يتصوره بآلة كما يتصور الألوان بالعين والروائح بالأنف، فإن الجزء الذي فيه النفس من البدن لا يسخن ولا يبرد ولا يستحيل من جهة إلى أخرى عند تصوره بالعقل، فيظن الظان منا أن النفس لا تفعل بالبدن، لأن هذه الأمور ليست بجسم ولا أعراض جسمية.
وقد تعرف النفس أيضاً الآن من الزمان والوحدة واليقظة، وليس لأحد أن يقول: إن النفس تعرف هذه الأشياء بحس من الإحساس، ففعل النفسي إذن يفارق البدن، وتأليف البرهان أن يكون على أن يقال: للنفس أفعال تخصها خلوٌ من البدن، مثل التصور بالعقل، وكل ما له فعل يخصه دون البدن فإنه لا يفسد بفساد البدن عند المفارقة.
السن الذهبية / ادريس خالي
نصوص / تغريد عبد العال
مختارات من “ومخالب إذا لزم الأمر” / خالد أبو بكر